« جراب النوره » بين اللغة و الاصطلاح - الصفحه 10

2 ـ موارد الكلمة في الحديث الشريف:

استعملت كلمة «جراب» وما يتبعها من التثنية والجمع في موارد كثيرة من الأحاديث في التراث الإسلامي، نذكر بعضها:
1 ـ ما رواه الأئمّة من أهل البيت عليهم السّلام في «ما جمع من ألفاظ رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم فأسندوه عنه» وهو الكتاب المعروف باسم «الجعفريات» الذي رواه الإمام الكاظم عن أبيه جعفر بن محمّد عن أبيه، عن جدّه علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب عليهم السّلام ، قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم : القلوب أربعة: فقلب فيه إيمانٌ وليس
فيه قرآن، وقلب فيه قرآن وإيمان، وقلب فيه قرآن وليس فيه إيمان، وقلب لا قرآنَ فيه ولا إيمان.
فأمّا القلب الذي فيه إيمان وليس فيه قرآن: كالـتَمْرة، طيبٌ طعمها وليس لها ريح.
وأمّا القلب الذي فيه قرآن وليس فيه إيمان: كالاُشْنَةِ ۱ طيب ريحها، خبيث طعمها.
وأمّا القلب الذي فيه قرآن وإيمان: كجِراب المسك: إنْ فُتح فتح طيّباً، وإن وُعي وُعي طيّباً.
وأمّا القلب الذي لا قرآن فيه ولا إيمان: كالحنظلة: خبيث ريحها خبيث طعمها ۲ .
2 ـ ومن مسند عثمان:
بعث النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم وفداً إلى اليمن، فأمّر عليهم أميراً منهم، وهو أصغرهم، فمكثَ أيّاماً لم يسر، فلقي النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم رجلاً منهم ، فقال: يا فلان، أما انطلقت؟
فقال: يا رسول الله، أميرنا يشتكي رجله.
فأتاه النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم ، ونَفَثَ عليه: «باسم الله وبالله أعوذ بالله وبعزّة الله وقدرته من شرّ ما فيها» سبع مرّاتٍ، فبرأ الرجل.
فقال له رجل: يا رسول الله، أتؤمّرهُ علينا وهو أصغرنا؟!
فذكر النبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم قراء ته للقرآن.
فقال الشيخ: يا رسول الله، لولا أني أخافُ أن أتوسّده! فلا أقوم به، لتعلَّمتُهُ!
فقال له رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم : لا تفعلْ ، تعلّم القرآن!!
فإنّما مثل القرآن كجراب ملأته مسكاً، ثمّ ربطتَ على فيه، فإن فتحته فاح
إليك ريحُ المسك، وإنْ تركته كانَ مسكاً موضوعاً، كذلك مثل القرآن إذا قرأته أو كان في صدرك ۳ .
3 ـ ما رواه البخاري في تاريخه الكبير ـ بسنده ـ عن عطاء مولى أبي أحمد، عن النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم أنّهُ قال: مَثَلُ القرآن كمثل «جرابٍ» محشوٍّ مسكاً تفوح ريحه ۴ .
4 ـ ووردت الكلمة في سيرة الإمام أبي عبدالله الحسين بن علي الشهيدعليه السّلام .
ففي المناقب: شعيب بن عبدالرحمن الخزاعي، قال: وُجِدَ على ظهر الحسين بن علي يوم الطفّ أثر، فسألوا زين العابدين عليه السّلام عن ذلك؟ فقال: هذا مما كان ينقل الجراب على ظهره إلى منازل الأرامل واليتامى والمساكين ۵ .
وفي سيرته عليه السّلام كذلك: لمّا عزم على الخروج إلى العراق من مكّة، قام خطيباً، فقال: الحمد لله، وما شاء الله، ولا حول ولا قوة إلّا بالله، و صلى الله على رسوله وسلّم، خُطّ الموتُ على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني الى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخِيْرَ لي مصرعٌ أنا لاقيه، كأني بأوصالي تَتقطّعها عَسَلان الفلوات ـ بين النواويس وكربلاء ـ فيملأن منّي أكراشاً جُوْفا، وأجربة
سغباً، لا محيص عن يومٍ خطّ بالقلم، رضا اللهِ رضانا أهل البيت نصبر على بلائه ويوفّينا اُجور الصابرين.
لن تشذّ عن رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم لحمتُه، بل هي مجموعة له في حظيرة ۶ القدس، تقرّ بهم عينُه، ويُنْجز وعده.
من كان باذلاً فينا مهجته، وموطّناً على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا، فإني راحل، مصبحاً، إن شاء الله ۷ .
5 ـ وفي سيرة الإمام زين العابدين عليه السّلام ، جاء ذكر الجراب مكرّراً:
أ: فعن الإمام الباقرعليه السّلام ـ عندما ذكر أباه ـ : كان عليه السّلام لَيَخْرُجُ في الليلة الظلماء، فيحملُ الجِراب على ظهره، وفيه الصُرَرُ من الدنانير والدراهم، وربّما حَمَلَ على ظهره الطعام أو الحطب، حتى يأتي باباً باباً، فيقرعه ثمَّ يُناول مَنْ يخرج إليه، وكانَ يغطّي وجهه إذا ناولَ فقيراً، لئلّا يعرفه، فلمّا توفّي عليه السّلام فقدوا ذلك، فعلموا أنّهُ كان عليّ بن الحسين عليه السّلام ۸ !
ب: وجاء في حديث آخر:... وكثيراً ما كانوا قياماً على أبوابهم ينتظرونه! فإذا رأوه تباشروا به، وقالوا: جاء صاحب الجِراب ۹ .
وفي حلية الأولياء: قال عمرو بن ثابت: لما مات عليّ بن الحسين، فغسّلوه، جعلوا ينظرون إلى آثار سواد في ظهره، وقالوا: ما هذا؟
فقيل: كان يحمل جُرُبَ الدقيق ليلاً على ظهره يعطيه فقراء أهل المدينة ۱۰ .
6 ـ وما رواه المحدّث الأقدم أبو محمّد الصفّار ـ بسنده ـ إلى الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السّلام ـ لمّا قيل له عمّن يقول: هذا في جفركم الّذي تدّعون؟
قال عليه السّلام : أمّا قوله في الجفر، فإنّما هو جلد ثورٍ مذبوح، كالجراب، فيه كتب وعلم ما يحتاج الناس إليه، إلى يوم القيامة، من حلال وحرام، إملاء رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم وخطّ علي عليه السّلام بيده، وفيه مصحف فاطمة عليها السّلام ، ما فيه آية من القرآن، وإنّ عندي خاتم رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم ودرعه وسيفه ولواء ه، وعندي الجفر، على رغم أنف من رغم! ۱۱
7 ـ ورووا عن أبي هريرة قوله: حفظت ثلاثة أجربة، بثَثْتُ منها جرابين ۱۲ .
وقيل عنه: إنّهُ حفظ عن رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم خمس جُرُبٍ أحاديث، وقال: إنّي أخرجت منها جرابين، ولو أخرجت الثالث لرميتموني بالحجارة ۱۳ .

1.في لسان العرب (أشن): الاُشْنَةُ: شي ء من الطيب أبيض كأنّه مقشور قال ابن بري: الاُشْنُ: شي ء من العطر أبيض دقيق كأنّه مقشور من عِرق ۱/۸۶.

2.الجعفريات ب۵۳۳، ص۲۳۰، المعنون (كتاب غير مترجم)، وعنه في مستدرك الوسائل ۴/۲۳۱ تسلسل ۴۵۶۸ ورواه أبو الرضا الراوندي في نوادر الراوندي ص۴ رقم ۲۶، وعنه في بحار الأنوار ۷۰/۶۰ رقم ۴۰.

3.رواه في كنز العمال ۲/۲۸۷ رقم ۴۰۲۰، عن: قط [الدارقطني] في الأفراد، طس [الطبراني في الأوسط ۷/۱۵۰ ح۷۱۲۶ ط الرياض] والبغوي في مسند عثمان أقول: ورواه الترمذي في نوادر الأصول ۲/۲۳۹ معنوناً للأصل ۲۵۳ بعنوان: القرآن كجراب المسك. ورواه في مجمع الزوائد ۷/۱۶۱ باب فضل القرآن، عن الطبراني في الأوسط.

4.كذا في التاريخ الكبير ۶/۴۶۲ ولم يجئ فيه ذكر (أبي هريرة) بين عطاء والنبي صلّى الله عليه و آله ، وقد صحّحه، لكن رواه المِزي في تهذيب الكمال ۲/۴۵۵ ضمن حديث طويل: ... عن عطاء، عن أبي هريرة، وصدره: بعث النبي صلّى الله عليه و آله بعثاً فاستقرأهم... وفيه: فقال رسول الله صلّى الله عليه و آله : تعلَّموا القرآن وعلّموه، وأقرِئوه وقوموا به، فإنّ مثل القرآن... الحديث. وقال محقّق تهذيب الكمال: هو في سنن النسائي في السير، وهو القسم الذي أسقطه ابن السنّي، وأخرجه بطوله الترمذي في الجامع الصحيح برقم (۲۸۷۶) في فضائل القرآن...، وهو في سنن ابن ماجة مختصراً ۲۱۷ في المقدمة، وحسّنه الترمذي وصحّحه ابن حبان (۱۷۸۹) (ش). وأورده المزي في تهذيب الكمال ۲۰/۱۳۰ في ترجمة (عطاء) ونقله محقّقه في الهامش عن: السنن الكبرى للنسائي وقال: كما في تحفة الأشراف (۱۴۲۴۲).

5.بحار الأنوار ۴۴/۱۹۰ ـ ۱.

6.حظيرة القدس : الجنّة . وفي حديث النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم : «الثابت على سنّتي معي في حظيرة القدس» و«لا يلج حظيرة القدس مدمن الخمر» . (الحيدري)

7.بحار الأنوار ۴۴/۶ ـ ۳۶۷ عن الملهوف لابن طاوس ص۱۲۶ باختلاف ورواه الإربلي في كشف الغمة ۲/۲۹ وانظر موسوعة كلمات الإمام الحسين عليه السّلام ص۳۲۸.

8.بحار الأنوار ۴۲/۶۲.

9.بحار الأنوار ۴۲/۸۹.

10.بحار الأنوار ۴۲/۹۰.

11.بحار الأنوار ۲۶/۲ ـ ۴۳ عن بصائر الدرجات ص۲ و۴۳ والبحار ـ أيضاً ـ ۲۶/۴۹ عن البصائر ص۴۴.

12.نقله ابن حجر في فتح الباري ۱/۱۹۲ عن المسند.

13.نقله الرامهرمزي في المحدّث الفاصل ص۵۵۶ رقم ۷۴۹، وقال محقّقه: نحوه في طبقات ابن سعد ۴/۵۷ ق۲، و ۲/۱۱۸، ق۲، وانظر فتح الباري ۱/۳۲۷ وحلية الأولياء ۱/۳۸۱ والبداية والنهاية ۸/۱۰۵ وتذكرة الحفاظ ۱/۳۴. أقول أما تذكرة الحفاظ فالمذكور فيه ص۳۵ حديث أبي هريرة عن الوعاءَ ين وقوله: لو بثثته لقطع هذا البلعوم، وقد أخرجه البخاري في صحيحه ۱/۴۱ لاحظ تدوين السنة الشريفة ص۴۸۷.

الصفحه من 52