الدّنیا - الصفحه 14

فَأعرَضَ عنِ الدُّنيا بقلبِهِ ، وأماتَ ذِكرَها من نفسِهِ ، وأحَبَّ أن تَغِيبَ زينتُها عن عَينِهِ ، لكي لا يَتّخِذَ منها رِياشاً ولا يَعتقِدَها قَرارا ، ولا يَرجوَ فيها مُقاماً .
فَأخرَجَها مِنَ النَّفسِ ، وأشخَصَها عن القلبِ ، وغَيَّبَها عنِ البَصَرِ ، وكَذلكَ مَن أبغَضَ شَيئاً أبغَضَ أن يَنظُرَ إلَيهِ ، وأن يُذكَرَ عِندَهُ .
ولقد كانَ في رسولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه و آله ما يَدُلُّكَ على‏ مَساوِئِ الدُّنيا وعُيوبِها ، إذ جاعَ فيها مع خاصَّتِهِ ، وزُوِيَتْ عَنهُ زَخارِفُها مَع عظيمِ زُلفَتِهِ ، فَلْيَنظُر ناظِرٌ بعقلِهِ ، أكرَمَ اللَّهُ محمّداً بذلكَ أم أهانَهُ ؟ فإنْ قالَ : أهانَهُ فقد كَذَبَ واللَّهِ العظيمِ بالإفكِ العظيمِ، وإنْ قال : أكرَمَهُ فَلْيَعلَمْ أنَّ اللَّهَ قد أهانَ غيرَهُ حيثُ بَسَطَ الدُّنيا لَهُ ، وزَواها عن أقرَبِ الناسِ مِنهُ .
فَتَأسّى‏ مُتَأسٍّ بِنَبِيِّهِ ، واقتَصَّ أثَرَهُ ، ووَلَجَ مولَجَهُ ، وإلّا فلا يَأمَنِ الهَلَكَةَ ، فإنَّ اللَّهَ جَعَلَ محمّداً صلى اللَّه عليه و آله عَلَماً للسّاعَةِ ، ومُبَشِّراً بالجَنَّةِ ، ومُنذِراً بالعُقوبةِ ، خَرَجَ مِنَ الدُّنيا خَميصاً ، ووَرَدَ الآخرةَ سَليماً .
لَم يَضَع حَجَراً على‏ حَجَرٍ حتّى‏ مَضى‏ لسبيلِهِ ، وأجابَ داعيَ ربِّهِ ، فما أعظَمَ مِنّةَ اللَّهِ عِندَنا حِينَ أنعَمَ علَينا بِهِ سَلَفاً نَتَّبِعُهُ وقائداً نَطَأُ عَقِبَهُ .۱

۶۰۶۸.بحار الأنوار عن أبي الطفّيل عامر بن واثلة : كان عليُّ بنُ الحسينِ عليهما السلام إذا تلا هذهِ الآيَةَ (يَا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ)۲ يقولُ : اللّهُمّ ارفَعْنِي في أعلَى دَرَجاتِ هذهِ النُّدبةِ ، وأعِنِّي بِعَزمِ الإرادةِ ... وارزُقنِي قلباً ولِساناً يَتجارَيانِ في ذَمِّ الدُّنيا ، وحُسنَ التَّجافِي عنها حَتَّى‏ لا أقولَ إلّا صِدقاً .۳

(انظر) الدُّنيا: باب 1258 .

1233 - الدُّنيا مِن وجهَةِ نَظَرِ الإمام عَلِيٍّ عليه السلام‏

۶۰۶۹.الإمامُ عليٌّ عليه السلام : واللَّهِ ما دُنياكُم عِندي إلّا كَسَفَرٍ على‏ مَنهَلٍ حَلُّوا إذ صاحَ بهِم سائقُهُم فارتَحَلُوا ، ولا لَذاذَتُها في

1.نهج البلاغة : الخطبة ۱۶۰ .

2.التوبة : ۱۱۹ .

3.بحار الأنوار : ۷۸/۱۵۳/۱۸ .

الصفحه من 46