البصیرة (تفصیلی) - الصفحه 47

5 / 11

تِلكَ الآثارُ

۹۶۷۶.الإمام عليّ عليه السلام :عِبادَ اللّه ِ! إنَّ مِن أحَبِّ عِبادِ اللّه ِ إلَيهِ عَبداً أعانَهُ اللّه ُ عَلى نَفسِهِ ، فَاستَشعَرَ الحُزنَ ، وتَجَلبَبَ الخَوفَ ؛ فَزَهَرَ مِصباحُ الهُدى في قَلبِهِ ، وأَعَدَّ القِرى لِيَومِهِ النّازِلِ بِهِ ، فَقَرَّبَ عَلى نَفسِهِ البَعيدَ ، وهَوَّنَ الشَّديدَ .
نَظَرَ فَأَبصَرَ ، وذَكَرَ فَاستَكثَرَ ، وَارتَوى مِن عَذبٍ فُراتٍ سُهِّلَت لَهُ مَوارِدُهُ ، فَشَرِبَ نَهَلاً ۱ ، وسَلَكَ سَبيلاً جَدَداً .
قَد خَلَعَ سَرابيلَ الشَّهَواتِ ، وتَخَلّى مِنَ الهُمومِ ، إلّا هَمّاً واحِداً انفَرَدَ بِهِ ، فَخَرَجَ مِن صِفَةِ العَمى ، ومُشارَكَةِ أهلِ الهَوى ، وصارَ مِن مَفاتيحِ أبوابِ الهُدى ، ومَغاليقِ أبوابِ الرَّدى .
قَد أبصَرَ طَريقَهُ ، وسَلَكَ سَبيلَهُ ، وعَرَفَ مَنارَهُ ، وقَطَعَ غِمارَهُ ۲ ، وَاستَمسَكَ مِنَ العُرى بِأَوثَقِها ، ومِنَ الحِبالِ بِأَمتَنِها ، فَهُوَ مِنَ اليَقينِ عَلى مِثلِ ضَوءِ الشَّمسِ ، قَد نَصَبَ نَفسَهُ للّه ِِ ـ سُبحانَهُ ـ في أرفَعِ الاُمورِ ، مِن إصدارِ كُلِّ وارِدٍ عَلَيهِ ، وتَصييرِ كُلِّ فَرعٍ إلى أصلِهِ .
مِصباحُ ظُلُماتٍ ، كَشّافُ عَشَواتٍ ۳ ، مِفتاحُ مُبهَماتٍ ، دَفّاعُ مُعضِلاتٍ ، دَليلُ فَلَواتٍ ۴ ، يَقولُ فَيُفهِمُ ، ويَسكُتُ فَيَسلَمُ .
قَد أخلَصَ للّه ِِ فَاستَخلَصَهُ ، فَهُوَ مِن مَعادِنِ دينِهِ ، وأَوتادِ أرضِهِ . قَد ألزَمَ نَفسَهُ العَدلَ ، فَكانَ أوَّلَ عَدلِهِ نَفيُ الهَوى عَن نَفسِهِ ، يَصِفُ الحَقَّ ويَعمَلُ بِهِ ، لا يَدَعُ لِلخَيرِ غايَةً إلّا أمَّها ، ولا مَظِنَّةً إلّا قَصَدَها ، قَد أمكَنَ الكِتابَ مِن زِمامِهِ ، فَهُوَ قائِدُهُ وإمامُهُ ، يَحُلُّ حَيثُ حَلَّ ثَقَلُهُ ، ويَنزِلُ حَيثُ كانَ مَنزِلُهُ . ۵

1.نَهِلَ : شَرِبَ الشُربَ الأوّل حتّى روي (المصباح المنير : ص ۶۲۸ «نهل») .

2.الغَمرَةُ : الشِدَّةُ (لسان العرب : ج ۵ ص ۲۹ «غمر») .

3.العَشوَةُ : الأمر المُلتَبِسْ ويجمع على عَشَوات (النهاية : ج ۳ ص ۲۴۲ «عشو») .

4.الفَلاةُ : الأرض التي لاماء فيها ولا أنيس (لسان العرب : ج ۱۵ ص ۱۶۴ «فلا») .

5.نهج البلاغة : الخطبة ۸۷ ، أعلام الدين : ص ۱۲۷ نحوه ، غرر الحكم : ج۲ ص ۵۶۱ ح ۳۵۷۷ وفيه صدره إلى «ليومه النازل به» ، بحار الأنوار : ج ۲ ص ۵۶ ح ۳۶ .

الصفحه من 68