الاستئثار (تفصیلی) - الصفحه 15

أيضا ، هذا النصّ الذي يسجّل دون مراء بأنّ الفلسفة التي تكمن وراء بعث جميع الأنبياء الإلهيين هي القيام بالقسط وبسط العدل ، حيث يقول :
«لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَ أَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَ الْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ» . ۱
فلا مراء في أنّ الأحاديث التي تأمر بالصبر على الاستئثار والإذعان للجور تتعارض مع هذه الآية الكريمة ، وكذلك مع جميع الآيات التي يحثّ بها القرآن المسلمين على مواجهة الظلم ، ويدعوهم إلى ممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإلى القيام بالقسط وبسط العدل .

د ـ التعارض مع أحاديث مواجهة أئمّة الجور

من النقاط الاُخرى التي تصطفّ إلى جوار ما سبقها في تحليل أحاديث الصبر على الاستئثار وتقويمها ، تعارضها مع أحاديث نبوية أمر فيها النبيّ صلى الله عليه و آله صراحة بمواجهة أئمّة الجور ودعا إلى منابذة الحكّام الظلمة ومقاومتهم ، كما تُومِئ إليه الأمثلة التالية :
1 . عن معاذ بن جبل : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول :
خُذُوا العَطاءَ ما دامَ عَطاءً فَإِذا صارَ رِشوَةً فِي الدّينِ فَلا تَأخُذوهُ ، ولَستُم بِتارِكيهِ يَمنَعُكُمُ الفَقرَ وَالحاجَةَ ، ألا إنَّ رَحَى الإِسلامِ دائِرَةٌ فَدوروا مَعَ الكِتابِ حَيثُ دارَ ، ألا إنَّ الكِتابَ وَالسُّلطانَ سَيَفتَرِقانِ فَلا تُفارِقُوا الكِتابَ ، ألا إنَّهُ سَيَكونُ عَلَيكُم اُمَراءُ يَقضونَ لِأَنفُسِهِم ما لا يَقضونَ لَكُم ، إن عَصَيتُموهُم قَتَلوكُم وإن أطَعتُموهُم أضَلّوكُم ، قالوا : يا رَسولَ اللّهِ ، كَيفَ نَصنَعُ؟ قالَ : كَما صَنَعَ أصحابُ عيسَى بنِ مَريَمَ نُشِروا بِالمَناشيرِ وحُمِلوا عَلَى الخَشَبِ ، مَوتٌ في طاعَةِ اللّهِ خَيرٌ مِن حَياةٍ في مَعصِيَةِ اللّهِ. ۲

1.الحديد : ۲۵ .

2.المعجم الكبير : ج ۲۰ ص ۹۰ ح ۱۷۲ ، المعجم الصغير : ج ۱ ص ۲۶۴ ، مسند الشاميّين : ج ۱ ص ۳۷۹ ح ۶۵۸ ، كنز العمّال : ج ۱ ص ۲۱۶ ح ۱۰۸۱ نقلاً عن تاريخ دمشق عن ابن مسعود نحوه.

الصفحه من 32