الزّهد صفحه 5

تصدير

يعتبر الحديث والسنّة المصدر الثاني لفهم الدين وتحصيل العلوم الإلهية بعد كتاب اللّه العزيز . وقد حثّ النبيّ صلى الله عليه و آله والأئمّة المعصومين عليهم السلام المسلمين على كتابة الحديث ونقله وتعليمه وتعلّمه ، فقد قال صلى الله عليه و آله لعبد اللّه بن عمر : «اُكتب ، فوالذي نفسي بيده ما خرج منّي إلاّ الحقّ » . وقال صلى الله عليه و آله : «من أدّى إلى اُمّتي حديثا يقام به سنّة أو يُعْلَمُ به بدعة فله الجنّة » . وقد ورد هذان الحديثان في مصادر الحديث العامّيّة أيضا.
وقال الإمام الباقر عليه السلام : «لحديث واحد تأخذه عن صادق خيرٌ لك من الدنيا وما فيها » ؛ وقال الإمام الصادق عليه السلام : «اعرفوا منازل الناس منّا على قدر روايتهم عنّا » . وقال عليه السلام مخاطبا المفضّل بن عمر : «اُكتب وبُثَّ علمك في إخوانك فإنّ مِتَّ فأورِثْ كُتُبَك بَنيك ، فإنّه يأتي على الناس زمان هَرْج لايأنسون فيه إلاّ بكتبهم » .
ولهذا وغيره سعى أصحاب الأئمّة وأتباعهم سعيا حثيثأ لحفظ الأحاديث ونقلها وكتابتها ، وكان لهم دور مهمّ وأساسيّ في إيصالها إلى النّاس .
وكان الحسين بن سعيد الأهوازي أحد اُولئك الأعاظم ، فهو من مشاهير علماء الشيعة ومن أبرز محدّثيهم ، وأحد أصحاب الأئمّة المعروفين ، فقد صاحب الإمام الرضا والإمام الجواد والهادي عليهم السلام وكان لتأليفاته دور مهمّ في نشر علوم أهل البيت عليهم السلام ويعتبر هو أحد المبتكرين لترتيب الأحاديث طبق موضوعاتها . وقد عنون له أكثر من ثلاثين عنوانا وفي مجالات مختلفة : عقائديّة وعباديّة وفقهيّة وأخلاقيّة وغيرها.
وتعتبر كتبه في حدّ من ا لشهرة والاعتبار حتّى أنّ الكتب الروائيّة الاُخرى تشبّه لها وتقاس عليها ، بل استفاد من كيفية تبويبيه وتنسيقه بعض الأعاظم كالشيخ الكليني(قدّس سرّه).

الزّهد صفحه 6

وكتاب الزهد أحد تلك العناوين الثلاثين التي نقلت عن الحسين بن سعيد قدس سرهويعتبر أحد الاُصول الروائية الأوّلية المعتمدة لدى الشيعة ، وكان هذا السفر مع صغر حجمه وعظم فائدته محطّ أنظار فقهاء الشيعة وعلمائهم منذ تحريره . وقد نقلت عنه الكثير من موسوعات الحديث الهامّة . أمثال الكافي والفقيه ووسائل الشيعة وبحارالأنوار وغيرها . ونظروا إليها بعين الاعتبار والاستناد .
وقد أورد الحسين بن سعيد الأهوازي في هذا الكتاب 293 حديثا جعلها مرتّبة ضمن 20 بابا ، فأتى بالروايات الأخلاقية والاجتماعية في 13 بابا ، وجاء بالروايات والقضايا المرتبطة بالموت والبرزخ والقيامة والشفاعة وغيرها في سبعة أبواب ، في حين أورد بعض أخبار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في خاتمة الكتاب .
والملاحظ على هذا السفر القيّم أنّ مولّفه قدس سره سعى إلى تربية الإنسان المسلم، وتهذيب نفسه بحيث يجعل منه إنسانا رساليا مطلعا على حقائق الخلقة؛ وذلك بانتخابه الاسم الجذّاب للكتاب وهو «الزهد» وبانتخابه الروايات التي تخاطب الروح وتجاذبها.
ويعتبر كتاب الزهد من الآثار التي احتفظت من حوادث الزمان وطوارق الحدثان حتّى وصل إلينا ، وبقي كذكرى تعيد للأذهان مكانة المؤلّف وشخصيّته العظيمة ، ولكن للأسف لم يحقّق هذا الكتاب العظيم تحقيقا يناسبه . ولذا بادرت مؤسسة دارالحديث مفتخرة إلى تحقيق هذا الأثر القيّم تحقيقا جديدا مناسبا لكي تقدّم لمحبّي أهل البيت عليهم السلام سفرا مهمّا.
وقد تصدّى لتصحيحه وتحقيقه المحقّق الفاضل الشيخ مهدي غلام علي ، وساعده في ذلك بعض محقّقينا الأعزّاء ، فللّه درّهم وعليه أجرهم .
قسم إحياء التراث
في مركز بحوث دارالحديث
محمّد حسين الدرايتي