مسند ابي بصير ج1 صفحه 7

تصدير

خلّف لنا نبيّنا الكريم وأهل بيته الطيّبين صلوات اللّه عليهم أجمعين تراثاً ضخماً وثروة عظيمة ، وصلت الينا من خلال رواة ثقاة أجلاّء علماء ، فتحمّلوه في فترة عصيبة من التأريخ الإسلامي ، ونقلوه إلينا بمعاناة شديدة وتحت ظروف اجتماعيّة وسياسيّة قاسية حتّمت عليهم التحفّظ والتقيّة في تعليمه ونقله للآخرين .
ولبعض هؤلاء الرواة كتباً حديثيّة مهمّة فضلاً عمّا حدّثوا به ورووه مشافهةً ، والذي وصل إلينا اليوم هو بعض مؤلّفاتهم الحديثيّة فحسب . بيد أنّ تجميع روايات كلّ شخصيّة من هذه الشخصيّات يمكن أن يفتح آفاقاً واسعة أمام البحوث العلميّة ، مضافاً إلى أنّ تأليف كتب المسانيد ـ الذي هو أول منهج في تدوين الحديث ـ له فوائد مهمّة نشير إليها باختصار فيما يلي:

1 . معرفة المنزلة العلمية للراوي عند الأئمّة عليهم السلام :

ورد في رواياتنا عن أهل البيت عليهم السلام : «إعرفوا منازل الناس على قدر روايتهم عنّا» ۱ فمن خلال ملاحظة روايات كلّ واحد من الرواة من زاويتي العدد والمضمون يمكن معرفة منزلة الراوي ، ومدى اعتماد الأئمّة عليه .

2 . معرفة الجوّ الفكري السائد في زمن الراوي :

التدقيق في الخلافات الفكريّة القائمة بين معاصري الأئمّة عليهم السلام يعيننا على فهم الروايات الصادرة في ذلك العصر بشكل أدقّ ، وهذا ما أشار اليه الأئمّة عليهم السلامبقولهم : «لا يكون الرجل منكم فقيهاً حتى يعرف معاريض كلامنا» ۲ .

3 . معرفة الراوي من الناحية الفكرية :

علما باختلاف عصر الراوي معنا ، يمكن معرفة أفكار وعقائد الراوي وما تنطوي عليه نفسه وما يجري في خلده وما يهتمّ به من خلال التدقيق في أسئلته ، كما يمكننا من خلال هذا الطريق معرفة دقّته ومقدار علمه وفهمه وفقاهته ، وهذا طريق مفيد لمعرفة حال الرواة ،

1.كافي ، ج۱ ، ص۵۰ ؛ وفي رجال الكشي ، ج۱ ، ص۵ : «اعرفوا منازل الرجال منا على قدر روايتهم عنا» .

2.معاني الأخبار ، ص۲ ؛ بحار الأنوار ، ج۲ ، ص۱۸۴ .

مسند ابي بصير ج1 صفحه 8

خصوصاً إذا أخذنا بنظر الاعتبار بُعدنا عن ذلك الزمان وعدم معاصرتنا للرواة .
ومن جملة الرواة الذين يشكّلون الطبقة الاُولى من أصحاب الأئمة عليهم السلام ومن فقهائهم «أبو بصير» ، فقد عدّته كتب الرجال القديمة من أصحاب الإمامين الباقر والصادق عليهماالسلام الذين قام الإجماع على تصحيح ما يصحّ عنهم ، وممن أذعن له الشيعة بالعلم والفقه . كما عدّ من الأركان و الأوتاد الذين حفظوا لنا أحاديث إمامنا الباقر عليه السلام .
والكتاب الذي بين يديك حصيلة جهود في هذا المضمار من أجل جمع روايات هذا الراوي العظيم والمحدّث الجليل الذي عاش في برهة عصيبة وزمان تقيّة ، والذي حفظ عدداً كبيراً جدّاً من الروايات ونقلها بأمانة للآخرين مع كونه مكفوف البصر .
الشيء الذي ينبغي الالتفات إليه أنّ المكنّى بأبي بصير من الرواة عدّة اشخاص ، لكن الذي في هذه الطبقة إثنان ، هما : أبو بصير يحيى بن أبي القاسم الأسدي ، وأبو بصير ليث بن البختري ، ويمتاز أبو بصير الأسدي بأنّه أشهر وأكثر رواية .
وقد جمع المؤلّف جميع الروايات المرويّة عن أبي بصير ، وذكر تمهيداً أفاض به قلم الأُستاذ العلاّمة آية اللّه جعفر السبحاني (حفظه اللّه ) للتمييز بين الرجلين ، وبالنتيجه ، فمن خلال القرائن المختلفة التي بواسطتها يتمّ تعيين المقصود بأبي بصير من بين الرجلين السالفين ، يتّضح أنّ أغلب الروايات المرويّة بهذه الكنية يراد منها أبا بصير الأسدي ، وأنّ روايات أبي بصير المرادي قليلة جدّاً .
نعم ، لم تفرز بعض هذه الروايات لعدم إمكان تشخيص المقصود بأبي بصير الوارد فيها بالدقّة ، كما اختلف أعلام المحدّثين والرجاليين في المقصود منه فيها .
وأخيراً فإنّ مؤسّسة دار الحديث تتقدّم بالشكر الجزيل لحجّة الإسلام والمسلمين بشير المحمّدي المازندراني الذي بذل جهده في تأليف هذا الكتاب القيّم ، كما نشكر آية اللّه جعفر السبحاني (مدّ ظلّه) الذي اقترح تأليف الكتاب ، وتبنّى الإشراف عليه ، وقدّم له مقدّمة قيّمة . كما نشكر الأخ الفاضل مرتضى الوفائي الذي راجع تمام الروايات وقابلها مع المصادر ، وجميع الإخوة الأعزّاء الذين ساهموا بنحوٍ من الأنحاء في إتمام هذا الكتاب .
وختاماً نسأل الباري تعالى أن يوفّق جميع الإخوة الأعزّاء لنشر أحاديث وعلوم أهل البيت عليهم السلام ، إنّه سميع الدعاء .
محمّد كاظم رحمان ستايش
معاون شؤون البحوث في مركز بحوث دار الحديث
1425 ه . ق، 1383 ه . ش