عبد اللّه بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى القرشي الاَسدي، كنيته أبو بكر، وأُمّه أسماء بنت أبي بكر بن أبي قحافة، وهو أوّل مولود ولد في الاِسلام بعد الهجرة للمهاجرين .

ولد بالمدينة على رأس سنتين من الهجرة، أحضره أبوه الزبير عند رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ليبايعه وعمره سبع سنين.

وروى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أحاديث، روى عنه: أخوه «عروة» وابناه «عامر» و«عباد»، وعبيدة السلماني، وعطاء بن أبي رباح، والشعبي، وغيرهم.

شهد الجمل مع أبيه الزبير مقاتلاً لعليٍّ، فكان علي (عليه السلام) يقول: مازال الزبير منّا أهلَ البيت حتى نشأ له عبد اللّه، وامتنع من بيعة يزيد بن معاوية بعد موت معاوية فأرسل إليه يزيد، مسلم بن عقبة المُرّي، فحصر المدينة وأوقع بأهلها وقعة الحرة المشهورة، ثمّ سار إلى مكة ليقاتل ابن الزبير فمات في الطريق، ثمّ استخلف الحصين بن نمير السكوني وحاصر ابن الزبير بمكة، ودام الحصر إلى أن مات يزيد، وبويع عبد اللّه بن الزبير بالخلافة وأطاعه أهل الحجاز واليمن والعراق وخراسان.(۱)

كان ابن الزبير يسوس الحجاز والعراق وفيهما عمّاله إلى ان استولى عبد الملك على العراق عام إحدى وسبعين من الهجرة وانحصرت امارة ابن الزبير بالحجاز ، وعند ذاك وجّه عبد الملك، الحجاج بن يوسف الثقفي في جيش كثيف من أهل الشام لقتال عبد اللّه بن الزبير، وقدم مكة وحصر ابن الزبير، والتجأ هو وأصحابه إلى المسجد الحرام، ونصب الحجاج المنجنيق على «جبل أبي قبيس» ورمى به الكعبة إلى ان خرج أصحابه إلى الحجاج بالاَمان، وقتل ابن الزبير يوم الثلاثاء من جمادى الآخرة عام ثلاث و سبعين من الهجرة.(۲)

قال الذهبي: مسنده نحو من ثلاثة وثلاثين حديثاً، اتفقا له على حديث واحد، وانفرد البخاري بستة أحاديث ومسلم بحديثين.

وقبل ان نتناول أحاديثه بالبحث والتمحيص نذكر لمحة خاطفة عن سيرته والدور الذي لعبه في حرب الجمل.

التاريخ يصرح بأنّه هو الذي أشعل نائرة الحرب بين علي (عليه السلام) وأبيه، وكان أبوه على عتبة الندم والرجوع إلى المدينة وترك الحرب، ولكن ابنه عبد اللّه حال دون ذلك والجأ أباه إلى الاستمرار في موقفه المتصلِّب ضد عليّ (عليه السلام) الذي كانت تربطه به أواصر القرابة، فقد كان علي (عليه السلام) ابن خاله وكان الزبير ابن عمة علي (عليه السلام) ، وكانت الاَواصر الودية مستوثقة إلى ان شبّ ابنه عبد اللّه فتعكّر صفو تلك الروابط.

قال الطبري: فلما تواقفوا خرج عليّعلى فرسه، فدعا الزبير، فتواقفا، فقال علي للزبير: ما جاء بك؟ قال: أنت، ولا أراك لهذا الاَمر أهلاً، ولا أولى به منّا.

فقال علي (عليه السلام) : لست له أهلاً بعد عثمان! قد كنا نعدُّك من بني عبد المطلب حتى بلغ ابنك ابن السوء ففرّق بيننا وبينك، وعظّم عليه أشياء، فذكر انّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مرّعليهما، فقال لعليّ: «ما يقول ابن عمتك؟ ليقاتلنك وهو لك ظالم».

فانصرف عنه الزبير، وقال: فإنّي لا أُقاتلك. فرجع إلى ابنه عبد اللّه، فقال: مالي في هذه الحرب بصيرة.

فقال له ابنه: إنّك قد خرجت على بصيرة، ولكنّك رأيت رايات ابن أبي طالب، وعرفت انّ تحتها الموت، فجبُنتَ، فأحفظه حتى أرعد وغضب.

وقال: ويحك ! إنّـي قد حلفت له ألاّأقاتله.

فقال له ابنه: كفّر عن يمينك بعتق غلامك سرجس، فأعتقه وقام في الصف معهم.

وكان علي قال للزبير: أتطلب مني دم عثمان وأنت قتلته؟! سلط اللّه على أشدِّنا عليه اليوم ما يكره.(۳)

وعلى هذا فقد شبّ الرجل وشاب على عداء عليٍّ وحمل الضغن عليه.

ومما يكشف عن عدائه المتأصل ما نقله ابن الاَثير ما هذا لفظه بتلخيص: انّ ابن الزبير دعا محمد بن الحنفية ومن معه من أهل بيته وشيعته وسبعة عشر رجلاً من وجوه أهل الكوفة منهم أبو الطفيل عامر بن واثلة الذي له صحبة ليبايعوه. فامتنعوا، وقالوا: لا نبايع حتى تجتمع الاَُمة، فأكثر الوقيعة بابن الحنفية وذمّه، فأخبروا ابن الحنفية بما كان منهم، فأمرهم بالصبر، ولم يلحّ عليهم ابن الزبير.

فلما استولى المختار على الكوفة وصارت الشيعة تدعو لابن الحنفية، خاف ابن الزبير أن يتداعى الناس إلى الرضا به، فألحّ عليه وعلى أصحابه في البيعة له، فحبسهم بزمزم وتوعدهم بالقتل والاِحراق، وإعطاء اللّه عهداً إن لم يبايعوه أن ينفِّذ ما توعَّدهم به، وضرب لهم في ذلك أجلاً.

ولما اطّلع المختار على حقيقة الاَمر بعث ظبيان بن عُمارة أخا بني تميم ومعه أربعمائة وبعث معه لابن الحنفية أربعمائة ألف درهم، فساروا نحو مكة حتى دخلوا المسجد الحرام ومعهم الرايات وهم ينادون: يا لثاراث الحسين، حتى انتهوا إلى زمزم وقد أعدَّ ابن الزبير الحطب ليُحرقهم وكان قد بقي من الاَجل يومان، فكسروا الباب ودخلوا على ابن الحنفية فقالوا: خلِّ بيننا وبين عدو اللّه ابن الزبير.

فقال لهم: إنّي لا أستحل القتال في الحرم إلى آخر ما ذكره.(۴)

فإذا كان هذه هي شيمة الرجل و سيرته مع آل علي، فهل يصحّ أن يعتمد على ما يرويه في حقّهم كما سيوافيك؟!

وعلى أية حال فهو من المقلِّين في نقل الحديث، ومن روائع رواياته ما يلي:

روائع أحاديثه

۱. أخرج أحمد في مسنده، عن عطاء، عن عبد اللّه بن الزبير، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) :

صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلاّ المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في هذا.(۵)

۲. أخرج النسائي في سننه، عن يوسف بن الزبير، عن عبد اللّه بن الزبير، قال:

جاء رجل من خثعم إلى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فقال: إنّ أبي شيخ كبير، لا يستطيع الركوب وأدركته فريضة اللّه في الحج، فهل يجزي أن أحج عنه؟

قال: أنت أكبر ولده؟ قال: نعم، قال: أرايت لو كان عليه دين، أكنت تقضيه؟ قال: نعم. قال: فحج عنه.(۶)

ثمّ إنّ هنا روايات رويت عنه، تخالف الضوابط المذكورة في صدر الكتاب.

أحاديثه السقيمة

۱. تقديم صلاة الجمعة على الخطبتين

أخرج أحمد في مسنده، عن وهب بن كيسان مولى ابن الزبير، قال:

سمعت عبد اللّه بن الزبير في يوم العيد، يقول، حين صلّى قبل الخطبة، ثمّ قام يخطب النّاس: يا أيّها النّاس، كلاًّ سنّة اللّه وسنّة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) .(۷)

الظاهر انّ الرواية موقوفة، لاَنّ ابن الزبير ولد في السنة الثانية من الهجرة، وتوفي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وله ثمان سنين.

فيبدو انّه لم ير واقعة تقديم الصلاة على الخطبتين من قبل النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» فتكون الرواية موقوفة وليست بحجّة.

على أنّ الظاهر من كلمات الفقهاء شرطية تقدّم الخطبة.

قال في المغني: الرابع من الشروط أن يتقدمها خطبتان من شرط صحتهما، وقد كان عمل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على تقديم الخطبة بينهما فصل من جلوس، و قد قال: صلوا كما رأيتموني أُصلي، فالعكس يحتاج إلى الدليل.(۸)وقال العلاّمة الحلّي: الثاني من الشروط تقديمهما على الصلاة لاَنّهما شرط فيها، والشرط مقدم ولانّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) داوم على ذلك، وقال: صلّوا كما رأيتموني أُصلي، ولقول الباقر (عليه السلام) وقد سئل عن خطبة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل الصلاة أو بعدها، قال: قبل الصلاة ثمّ يصلي(۹)وأغلب الظن انّ المصلحة الشخصية دفعته إلى تقديم الصلاة على الخطبتين فلما اعترض عليه، اضطر إلى عزو ذلك إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليخرج من هذا المأزق.

۲. خِطْبَةُ عليّ بنت أبي جهل

أخرج الترمذي، عن ابن أبي مليكة، عن عبد اللّه بن الزبير؛ انّ عليّاً ذكر بنت أبي جهل، فبلغ ذلك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: إنّما فاطمة بضعة منّي، يوَذيني ما آذاها، وينصبني ما أنصبها.(۱۰)

ولكن البخاري نقله في غير واحد من الاَبواب عن مِسْوَر بن مَخْرمة، وإليك صور ما نقله:

۱. ما نقله في «باب ما ذكر من درع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) » بسند ينتهي إلى ابن شهاب انّ علي بن الحسين (عليهما السلام) حدثه أنّـهم حين قدموا المدينة من عند يزيد بن معاوية،بعد مقتل الحسين بن علي «عليهما السلام» ، لقيه المسور بن مخرمة، فقال له: هل لك إليَّ من حاجة تأمرني بها ؟ فقلت له: لا، فقال له: فهل أنت مُعطِيَّ سيف رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟ فانّي أخاف أن يغلبك القوم عليه، وأيم اللّه لئن أعطيتنيه لا يُخلص إليهم أبداً، حتى تبلغ نفسي.

انّ علي بن أبي طالب (عليه السلام) خطب ابنة أبي جهل على فاطمة(عليها السلام) ،فسمعت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : يخطب الناس في ذلك على منبره هذا وأنا يومئذ محتلم.

فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : إنّ فاطمة مني، وأنا أتخوف أن تفتن في دينها، ثمّ ذكر صهراً له من بني عبد شمس فأثنى عليه في مصاهرته إياه.

قال: حدَّثني فصدقني، ووعدني فوفى لي، وإني لست أُحرِّم حلالاً ولا أحلُّ حراماً، ولكن واللّه لا تجتمع بنت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وبنت عدو اللّه أبداً.(۱۱)

۲. ما أخرجه عن الزهري، قال: حدثني علي بن الحسين (عليهما السلام) : انّ المسور ابن مخرمة، قال: إنّعليّاً خطب بنت أبي جهل، فسمعتْ بذلك فاطمة، فأتت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فقالت: يزعم قومك انّك لاتغضب لبناتك، وهذا عليّناكح بنت أبي جهل.

فقام رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فسمعتُه حين تشهد، يقول: أمّا بعد، أنكحتُ أبا العاص بن الربيع فحدَّثني وصدقني، وإنّ فاطمة بضعة منّي وإنّي أكره أن يسوأها، واللّه لا تجتمع بنت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وبنت عدو اللّه عند رجل واحد. فترك عليّ الخطبة .

و زاد محمد بن عمرو بن حلحلة، عن ابن شهاب، عن علي، عن مسور : سمعت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وذكر صهراً له من بني عبد شمس فأثنى عليه في مصاهرته إياه فأحسن.قال: حدثني فصدقني ووعدني فوفى لي.(۱۲)

۳. ما نقله أيضاً مرسلاً وقال: قال المسور: سمعت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذكر صهراً له فأثنى عليه في مصاهرته فأحسن، قال: حدثني فصدقني ووعدني فوفى لي.(۱۳)

۴. مانقله أيضاً في باب الغيرة، عن المسور بن مخرمة، قال: سمعت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول و هو على المنبر :إنّ بني هشام بن المغيرة استأذنوا أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب، فلا آذن، ثمّ لا آذن، ثمّ لا آذن، إلاّ أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم، فإنّما هي بضعة مني يريبني ما أرابها، ويوَذيني ما آذاها.(۱۴)

هذه هي صور أربع لرواية واحدة، وأنت ترى انّ البخاري كيف يلعب بالرواية سنداً و متناً، فتارة يذكره مسنداً إلى مخرمة، وأُخرى ينقله مرسلاً، وثالثة يضم إلى قصة الخطبة قصة أُخرى وهي طلب المسور سيف النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ، وأُخرى يجردها عنها.

وأمّا الاختلاف في اللفظ فحدّث عنه ولا حرج، ومع ذلك فالرواية مكذوبة وموضوعة على لسان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وضعها الاَمويون في عهدهم للحطّ من شأن عليّ (عليه السلام) ، وإليك بيانها.

أمّا ما رواه الترمذي و أحمد مسنداً إلى ابن أبي مليكة، عن عبد اللّه بن الزبير فلا يصحّ الاحتجاج به لما عرفت من أنّالرجل كان من أعداء عليّ «عليه السلام» ، فلا يمكن الاعتماد على قوله، وقد عرفت شيئاً من عدائه.

وأمّا ما أخرجه البخاري عن المِسْوَر، ففيه وجوه من الاشكال:

الاَوّل: انّ الصلة بين القصتين في الصورة الاَُولى مقطوعة، حيث إنّ ابن مخرمة يطلب سيف رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولما يواجه امتناع علي بن الحسين يتبعه بقصة أُخرى ويقول:

إنّ علي بن أبي طالب خطب ابنة أبي جهل، فأيُّ صلة بين القصتين؟ وان أتعب ابن حجر نفسه في شرحه على البخاري حتى يوّضح الصلة بينهما.(۱۵)

الثاني : انّ المسور بن مخرمة ولد بمكة بعد الهجرة بعامين وله من العمر عند وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثمان سنين، فكيف يقول في الصورة الاَُولى ممّا نقلها البخاري: فسمعت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يخطب الناس في ذلك على منبره، وانا يومئذٍ محتلم. ولا يطلق على من له ثمان سنين انّه محتلم، بل ولا كالمحتلم؟

فما ذكره الذهبي انّ المسور كان كبيراً محتلماً يوم ذاك فهو غفلة عن سنة مولده، وقد أرّخ هو ميلاده بما ذكرنا.(۱۶)

الثالث : كيف ينقل علي بن الحسين (عليهما السلام) ـ حينما قفل راجعاً من كربلاء إلى المدينة المنورة وقلبه مثقّل بالهموم والمصائب ـ تلك القصة الموهنة التي تحطّ من شخصية جدّه (عليه السلام) ، للزهريّ فهل يقوم بذلك إنسان عادي فضلاً عن علي بن الحسين (عليهما السلام)؟ حتى ولو افترضنا انّه سمعه من المِسْور بن مخرمة.

الرابع: انّ جميع صور الرواية الّتي رواها البخاريّ تنتهي إلى المسور بن مخرمة، الّذي كان منحرفاً عن عليّ، ويشهد على ذلك ما نقله الذهبي.

قال: قدم دمشق بريداً من عثمان يستصرخ بمعاوية.

وقال أيضاً: كانت الخوارج تغشاه وينتحلونه.

وقال أيضاً: قال عروة: فلم أسمع المسور ذكر معاوية إلاّ صلّى عليه.

وذكر انّ ابن الزبير لا يقطع أمراً دون المسور بمكة.(۱۷)

كلّ ذلك يشهد على أنّه قد نصب العداء لاَمير الموَمنين (عليه السلام) واتخذ عداءه بطانة له حتى بلغ به الاَمر إلى انّه لا يذكر معاوية إلاّصلى عليه، و ان الزبير لا يقطع أمراً دونه.

كلمة لاَبي جعفر الاسكافي حول الرواية

وثمةكلمة قيمة لاَبي جعفر الاسكافي، لا بأس بنقلها هنا نقلها ابن أبي الحديد عنه:

قال: إنّ معاوية وضع قوماً من الصحابة وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي (عليه السلام) ، تقتضي الطعنَ فيه والبراءة منه؛ وجعل لهم على ذلك جُعلاً يُرْغَبُ في مثله؛ فاختلقوا ما أرضاه، منهم: أبو هريرة، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، ومن التابعين: عروة بن الزبير.

روى الزهريّ أنّعروة بن الزبير حدّثه، قال: حدّثتني عائشة، قالت: كنت عند رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ أقبل العباس وعليّ، فقال: يا عائشة، إنّهذين يموتان على غير ملّتي، أو قال: غير ديني.

وروى عبد الرزاق، عن معمر، قال: كان عند الزهريّ حديثان، عن عُروة، عن عائشة في عليّ (عليه السلام) ؛ فسألتُه عنهما يوماً؟ فقال: ما تصنع بهما وبحديثهما! اللّه أعلم بهما؛ إنّي لاَتهمهما في بني هاشم.

قال: فأمّا الحديث الاَوّل؛ فقد ذكرناه؛ وأمّا الحديث الثاني فهو أنّعُروة زعم أنّعائشة حدثته، قالت: كنت عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ أقبل العباس وعلي، فقال: «يا عائشة؛ إن سرّكِ أن تنظري إلى رجلين من أهل النار فانظري إلى هذين قد طلعا»، فنظرت، فإذا العباس وعلي بن أبي طالب.

وأمّا عمرو بن العاص، فروي عنه الحديث الذي أخرجه البخاري و مسلم في صحيحيهما مسنداً متصلاً بعمرو بن العاص، قال: سمعت رسول اللّه «صلى الله عليه وآله وسلم» يقول: «إنّ آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء إنّما وليّي اللّه وصالح الموَمنين».

وأمّا أبو هريرة، فروي عنه الحديث الذي معناه أنّ علياً (عليه السلام) خطب ابنة أبي جهل في حياة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فأسخطه، فخطب على المنبر، وقال: لاها اللّه! لا تجتمع ابنة وليّ اللّه وابنة عدو اللّه أبي جهل! إنّفاطمة بضعة منّي يوَذيني ما يوَذيها؛ فإن كان علي يريد ابنة أبي جهل فليفارق ابنتي، وليفعل ما يريد، أو كلاماً هذا معناه، والحديث مشهور من رواية الكرابيسي.

قلت: هذا الحديث أيضاً مخرج في صحيحي مسلم والبخاري عن المِسْوَر ابن مخرَمة الزهريّ؛ وقد ذكره المرتضى في كتابه المسمى «تَنزيه الاَنبياء و الاَئمّة»، وذكر أنّه رواية حسين الكرابيسيّ، وأنّه مشهور بالانحراف عن أهل البيت (عليهم السلام) ، وعداوتهم والمناصبة لهم، فلا تقبل روايته.

ولشياع هذا الخبر وانتشاره ذكره مروان بن أبي حفصة في قصيدة يمدح بها الرشيد، ويذكر فيها ولد فاطمة (عليهم السلام) ويُنحي عليهم، ويذمّهم، وقد بالغ حين ذمّعلياً (عليه السلام) ونال منه، وأوّلها:

سَلامٌ على جُمْلٍ، وهَيْهاتَ من جملِ * ويا حبّذا جملٌ وإن صَرَمَتْ حَبْلي

يقول فيها:

عليّ أبوكم كان أفضلَ منكمُ * أباه ذوُو الشورى وكانوا ذَوِي الفَضْلِ

وساء رسول اللّه إذ ساء بنته * بخِطْبته بنتَ اللعين أبي جهل

فذمَّ رسول اللّه صهر أبيكم * على مِنْبَرٍ بالمنطق الصادع الفصلِ

وحكّم فيها حاكمين أبوكُم * هما خلعاه خَلْعَ ذِي النَّعْل للنعلِ

وقد باعها من بعده الحسنُ ابنُه * فقد أبطلت دعواكمُ الرثةُ الحبلِ

وخلّيتُموها وهي في غير أهلها * وطالبتُموها حين صارت إلى أهلِ

وقد رُوي هذا الخبر على وجوه مختلفة، وفيه زيادات متفاوتة؛ فمن الناس من يروي فيه: «مهما ذممنا من صهر فإنّا لم نذمّ صهر أبي العاص بن الربيع»، ومن الناس من يروي فيه: «ألا إنّ بني المغيرة أرسلوا إلى علىٍّ ليزوجوه كريمتهم»؛ وغير ذلك.(۱۸)

وفي الختام نقول: إنّ قصارى ما بذله ابن حجر في كتابه فتح الباري(۱۹)

في غير واحد من أجزاء كتابه، لا يخرج عن تبرير عمل علي (عليه السلام) و انّه لم تكن خطبته مخالفة للاِسلام و انّه انتهى عن العمل بعدما وقف على أنّ الزواج ببنت أبي جهل سينتهي إلى إيذاء بضعة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) .

وكان عليه أن يبذل جهوده في تقييم الرواية وعرضها على التاريخ الصحيح في سيرة عليّ (عليه السلام) وقربه من النبي وانّه كان يتبعه اتباع الظل لذي الظل وكان واقفاً على ما يبغض النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو يرضيه، فهل يتصور منه (عليه السلام) أن يخطب بنت أبي جهل ـ الذي هو من ألد أعداء الاِسلام ـ على فاطمة الزهراء من دون استئذان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!

نعم لا نقول إنّتزويج بنت أبي جهل المسلمة كان حراماً، ولكن ليس كل حلال يعمل به، خصوصاً مثل علي (عليه السلام) بالنسبة إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبضعته.

ولعل في هذا البحث غنى وكفاية.

فقد بان من هذا انّ عليّاً (عليه السلام) لم يُغضب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وها أنا أعرّف لك من أغضب الرسول و آذاه.

فهذا هو رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبي.(۲۰)

ومن جانب آخر يروي البخاري انّ فاطمة(عليها السلام) ابنة رسول اللّه سألت أبا بكر الصديق بعد وفاة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقسم لها ميراثها ما ترك رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) مما أفاء اللّه عليه.

فقال لها أبوبكر: إنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، قال: لا نُورث ما تركناه صدقة.

فغضبت فاطمة(عليها السلام) بنت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فهجرت أبا بكر فلم تزل بها هاجرته حتى توفيت.(۲۱)

وروى البخاري أيضاً انّ فاطمة (عليها السلام) بنت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول اللّه مما أفاء اللّه عليه بالمدينة وفدك وما يبقى من خمس خيبر ـ إلى ان قال: ـ فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرتْه، فلم تكلمه حتى توفيت وعاشت بعد النبي ستة أشهر، فلمّا توفيت دفنها زوجها عليّ ليلاً، ولم يوَذن بها أبا بكر، وصلّى عليها.(۲۲)

وروى البخاري أيضاً: انّ فاطمة (عليها السلام) والعباس (عليه السلام) أتيا أبا بكر يلتمسان من ميراثهما من رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وهما حينئذ يطلبان أرضيهما من فدك و سهمهما من خيبر، فقال لهما أبو بكر: سمعت رسول اللّه يقول: لا نورث ما تركنا صدقة، إنّما يأكل آل محمد من هذا المال. قال أبو بكر: واللّه لا أدع أمراً رأيت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يصنعه فيه إلاّ صنعته قال: فهجرته فاطمة فلم تكلمه حتّى ماتت.(۲۳)

(إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَو أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهيدٌ) ( ق/۳۷).

۱. أُسد الغابة: ۳/۱۶۱.

۲. الطبري، التاريخ: ۵/۲۴؛ الكامل لابن الاَثير: ۴/۳۴۹ـ ۳۵۶.

۳. تاريخ الطبري: ۳/۴۱، حوادث سنة ۳۶، ونقله أيضاً ابن الاَثير في الكامل، لاحظ ۳/۲۳۹.

۴. الكامل في التاريخ: ۴/۲۴۹ـ ۲۵۱.

۵. مسند أحمد : ۴/۵.

۶. سنن النسائي: ۵/۱۱۷، تشبيه قضاء الحج بقضاء الدين.

۷. مسند أحمد:۴/۴.

۸. المغني، ابن قدامة ومعه الشرح الكبير: ۲/۱۸۱.

۹. التذكرة: ۴/۶۹.

۱۰. سنن الترمذي: ۵/۶۹۹ برقم ۳۸۶۹؛ ورواه أحمد في مسنده: ۴/۵.

۱۱. صحيح البخاري: ۴/۸۳، باب ما ذكر من درع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .

۱۲. صحيح البخاري: ۵/۲۲ـ۲۳، باب ذكر اصهار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .

۱۳. صحيح البخاري: ۷/۲۰، باب الشروط في النكاح.

۱۴. صحيح البخاري: ۷/۳۷، باب ذبّ الرجل عن ابنته في الغيرة والانصاف من كتاب النكاح.

۱۵. لاحظ فتح الباري: ۶/۲۱۴ فذكر انّ الصلة هي انّ رسول اللّه كان يحب رفاهية فاطمة فأنا أيضاً احب رفاهية خاطرك لكونك ابن ابنها فعاطني السيف حتى أحفظه لك. وهو كما ترى.

۱۶. سير أعلام النبلاء: ۳/۳۹۳ برقم ۶۰.

۱۷. سير أعلام النبلاء:۳/۳۹۰ـ ۳۹۴ برقم ۶۰.

۱۸. شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ۴/۶۳ ـ ۶۵

۱۹. فتح الباري:۶/۲۱۴؛ ۷/۸۵؛۹/۳۲۷.

۲۰. صحيح البخاري: ۵/۵۱ في كتاب مناقب قرابة الرسولص.

۲۱. صحيح البخاري: ۴/۷۹، باب فرض الخمس.

۲۲. صحيح البخاري: ۵/۱۳۹، باب غزوة خيبر ؛ وأخرجه أيضاً مسلم في صحيحه :۵/۱۵۳، كتاب الجهاد، باب قول النبي لا نورث ما تركناه صدقة؛ وأخرجه أحمد بن حنبل في مسنده: ۱/۹.

۲۳. صحيح البخاري: ۸/۱۴۹، كتاب الفرائض.